مقدمة
في 25 فبراير الماضي توفي محمد حسني السيد مبارك، الرئيس الأسبق لمصر، عن عمر بلغ 91 عاما، وقبل ثمانية أشهر، وفي 17 يونيو 2019، توفي محمد مرسي عيسى العياط، الرئيس الأسبق لمصر أيضا، عن عمر بلغ 68 عاما. حكم الرجلان مصر، مع فارق ضخم في المدة؛ فقد بقي الأول في منصبه لحوالي ثلاثين عاما، فيما أتم الثاني بالكاد عامه الأول في منصبه. وكلا الرجلين أطيح به إثر مظاهرات شعبية حاشدة، شارك فيها الملايين من الشعب المصري، وفي الحالتين تدخلت المؤسسة العسكرية، للضغط على الأول للتخلي عن منصبه بإرادته، في 11 فبراير 2011، فيما أزاحت الثاني من الحكم في 3 يوليو 2013.
واجه الرجلان حال إزاحة كل منهما من منصبه اتهامات جنائية وسياسية مختلفة، تراوحت بين المشاركة في قتل المتظاهرين والتخابر مع دول أجنبية، إلى الكسب غير المشروع والسرقة، ولكن المتابعة وحدها كفيلة بإبراز تفاوت كبير فيما مر به كل منهما ، بدءا من مراحل توجيه الاتهام، التحقيقات، المحاكمة، الاحتجاز، والسجن وصولا إلى الوفاة.
من ثم فإن مسارا التعامل القانوني لمؤسسة العدالة القضائية ومؤسسات إنفاذ القانون مع الرجلين، بينما يمثلان من جانب حالتان استثنائيتان لرجلين بلغا أعلى مناصب الدولة التنفيذية واجها لأول مرة في تاريخ مصر محاكمات جنائية وصدرت ضدهما أحكام قضائية، فهما من جانب آخر يمثلان نموذجا هاما لمدى التزام مؤسسات الدولة المصرية بمبادئ المساواة أمام القانون، واستقلال وحيدة القضاء، ومعايير المحاكمة العادلة، وقواعد المعاملة الإنسانية للسجناء.
وتسعى هذه الورقة إلى المقارنة بين مساري وظروف اتهام ومحاكمة وسجن كلا الرئيسين، بهدف إبراز الجانب الحقوقي المغفل، مقارنة بالجانب السياسي، لاختلاف معاملة المؤسسات المصرية ذات الصلة مع كل منهما، ومن خلال تلك المقارنة تسعى الورقة إلى إعادة إلقاء الضوء على ما ينطوي عليه عمل مؤسسات إنفاذ القانون من انتهاكات حقوقية فادحة، سبق الإشارة إليها في عديد من التقارير الحقوقية المحلية والدولية على مدار السنوات الأخيرة، ولكن من الواجب إعادة التذكير بها من خلال كل زاوية جديدة تتاح.
تستخدم هذه الورقة كل من مواد المعاهدات والمواثيق الحقوقية الدولية التي صدقت مصر عليها، ومواد الدستور والتشريعات المصرية، ذات الصلة، كمصادر للمعايير التي تتم على أساسها المقارنة، ومن ثم فبعد خلفية تاريخية مختصرة تقدم الورقة عرضا لهذه المعايير قبل أن تعرض تفصيلا أوجه المقارنة بين حالتي كل من مبارك ومرسي، وتختتم الورقة بطرح مجموعة من التوصيات.
خلفية تاريخية مختصرة
محمد حسني مبارك
شغل محمد حسني مبارك منصب نائب رئيس الجمهورية، في عهد الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، حتى اغتيال الأخير في حادث المنصة، في 6 أكتوبر 1981. طرح اسم مبارك في استفتاء شعبي، في 14 أكتوبر التالي، وأصبح بموجب نتيجة هذا الاستفتاء الرئيس الرابع لجمهورية مصر العربية.
حكم مبارك مصر قرابة الثلاثة عقود، وكان من جراء سياساته عبر هذه الفترة الطويلة أن تراكمت العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، واكبها سجل حافل من الانتهاكات الحقوقية الفادحة، وترتب على ذلك تحمل فئات الشعب المختلفة لمعاناة كبيرة أدت بالملايين من هذا الشعب إلى المشاركة في مظاهرات شعبية حاشدة، شهدتها شوارع وميادين المدن المصرية في مختلف المحافظات،وتحولت إلى ثورة 25 يناير المجيدة، التي نجحت في الإطاحة بالرئيس مبارك وتخليه عن حكم مصر في 11 فبراير 2011. وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك ، حكم مصر لفترة انتقالية، طوال عام ونصف تقريبا، وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2012.
محمد مرسي
هو أول رئيس مدني منتخب لمصر، وخامس رؤسائها. وصل إلى منصبه نتيجة لأول انتخابات رئاسية أجريت في أعقاب ثورة 25 يناير، بين عدد من المرشحين، وشهدت منافسة متقاربة أدت في المرحلة الأولى إلى تواجه كل من مرسي، ممثل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، وفاز مرسي في هذه المرحلة الثانية للانتخابات بفارق ضئيل. وقام بحلف اليمين الدستورية في 24 يونيو 2012.
سرعان ما توالت مشاكل مختلفة لم يحسن مرسي التعامل معها، مما أجج غضب الشعب الذي كان مايزال يعيش أجواء الثورة ، والمتطلع إلى نمط جديد من الحكم بعد ثورته، وأدى ذلك إلى موجات من التظاهرات الشعبية ضده وضد جماعة الإخوان، توجت في النهاية بالتظاهرات الشعبية الهائلة في 30 يونيو 2013، وعلى إثرها تمت إزاحة مرسي عن منصبه من خلال المؤسسة العسكرية في 3 يوليو 2013. وأسند حكم البلاد بصفة مؤقتة إلى المستشار عدلي منصور، بصفته رئيس المحكمة الدستورية، حتى أجريت انتخابات رئاسية جديدة، في عام 2014، أتت بالرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لا زال يشغل منصبه بعد إعادة انتخابه لفترة ثانية في عام 2018.
الإطار الحقوقي والتشريعي
نستعرض في هذا القسم نصوص أهم المواد الواردة في المواثيق والعهود الدولية الرئيسية وكذلك أهم مواد الدستور المصري والقوانين ذات الصلة بكل من المساواة أمام القانون، وضمانات عدالة وإنصاف إجراءات التحقيق الجنائي والمحاكمة، والحدود الدنيا للمعاملة الإنسانية للمحتجزين والسجناء.
المواثيق والعهود الدولية
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
فيما يتعلق بالمساواة، ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 7 منه على: “الجميع متساوون أمام القانون، ويحق لهم، دون تمييز بينهم، التمتع بالحماية الكاملة للقانون.”
من حيث ضمانات المحاكمة العادلة، فتنص المادة 10 من الإعلان على: ” لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه.”
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
من حيث المساواة، تنص المادة الثانية من العهد في فقرتها الثانية على أن جميع الدول الأعضاء بالعهد ملزمة بأن “تحترم وتضمن لكل الأفراد داخل أراضيها والخاضعين لولايتها القانونيةالحقوق الواردة في هذا العهد، دون تمييز من أي نوع، مثل العرق، اللون، النوع، اللغة، الدين، الرأي السياسي أو غيره، الأصل القومي أو الاجتماعي، الثروة، الميلاد، أو أي صفة أخرى.”
ويكرر العهد في مادته رقم 26، ما سبق النص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فيما يخص المساواة أمام القانون، فتنص المادة على أن: “جميع الأشخاص متساوون أمام القانون، ولهم الحق، دون أي تمييز، في الحماية المتساوية للقانون…”
وبصفة خاصة تنص المادة 14 من العهد في فقرتها (1) على أن: “كل الأشخاص سيكونون متساوين أمام المحاكم …”، وفي نص المادة نفسها عند تعرضها لضمانات المحاكمة العادلة يحرص النص في الفقرة (3) على تأكيد أن تلك الضمانات ينبغي توفيرها “بمساواة تامة.”
من حيث ضمانات المحاكمة العادلة تنص المادة 14 من العهد أيضا على أن: “من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون.”
ضمانات المحاكمة العادلة المستمدة من المواثيق المختلفة
يمكن إجمال الضمانات المختلفة لعدالة الإجراءات القضائية في مراحلها المختلفة كما تنص عليها مختلف المواثيق والعهود الدولية في النقاط التالية:
- الحق في عدم التعرض للقبض أو الاعتقال التعسفي
- الحق في الإبلاغ بالحقوق،
- الحق في افتراض البراءة،
- الحق في المساواة أمام القانون.
- الحق في علانية المحاكمة.
- الحق في المساواة بين السجناء وفي أوضاع احتجاز إنسانية،
الدستور والقوانين المصرية
دستور 2014
المادة 53 (المساواة أمام القانون)
المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
المادة 94 (استقلال القضاء وحيدته)
سيادة القانون أساس الحكم في الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات.
المادة 96 (افتراض البراءة وضمانات المحاكمة العادلة)
المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات. وتوفر الدولة الحماية للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء، وفقاً للقانون.
المادة 56 (معاملة السجناء)
السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم.
قانون تنظيم السجون
هو القانون رقم 106 لسنة 2015 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون، ومن مواده:
مادة 34
كل محكوم عليه مودع بأحد الليمانات يتبين للطبيب المختص أنه عاجز عن العمل يُعرض أمره على مدير إدارة الخدمات الطبية للسجون بالاشتراك مع مفتش الصحة المختص، فإذا ثبت عجزه ينقل إلى سجن عمومي بقرار من مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون بعد موافقة النائب العام.
وعلى إدارة السجن المنقول إليه المسجون المريض مراقبة حالته، وتقديم تقرير طبي عنه إلى مدير إدارة الخدمات الطبية ومفتش الصحة المختص لفحصه والنظر في إعادته إلى الليمان، وإذا تبين أن الأسباب الصحية التي دعت إلى نقله قد زالت يُعاد إلى الليمان بقرار من مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون وموافقة النائب العام. وتستنزل المدة التي يقضيها المحكوم عليه في السجن من مدة العقوبة بالليمان.
المادة 38
بمراعاة أحكام قانون الإجراءات الجنائية، يكون لكل محكوم عليه الحق في التراسل، والاتصال التليفوني بمقابل مادي، ولذويه أن يزوروه مرتين شهرياً، وذلك كله تحت رقابة وإشراف إدارة السجن ووفقاً للضوابط والإجراءات التي تحددها اللائحة الداخلية.
المادة 44– بند 4
4- الحبس الانفرادي لمدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً.
خلاصة ومبادئ عامة
لا يمكن الحديث عن محاكمة عادلة يشهد لها الناس الإنصاف إلا إذا توفر شرطان.
أولا: الالتزام بإجراء المحاكمة،من بدايتها إلى نهايتها حسب المعايير المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ثانيا : من الضروري أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة ومحايدة.
فعلاوة على مختلف هذه الحقوق والمبادئ، السابقة، يظل استقلال القضاء أحد الضمانات الجوهرية لمقاربة تحقيق المحاكمة العادلة. فلا يمكن أن تتسم المحاكمة بالعدالة والإنصاف، ولن يعتبرها الناس منصفة، إذا كان القضاة الذين يصدرون الأحكام، ويوزعون العقوبات، يفتقرون إلى الاستقلال والنزاهة والحياد، ولا يتصفون بالبعد عن التحيز، مهما كان الأمر، ومهما كان الظرف، ومهما كان المعني. ولهذا السبب أكدت لجنة حقوق الإنسان على حق المحاكمة أمام محكمة مستقلة ومحايدة، كحق مطلق، لا يجوز بأي حال من الأحوال استثناء أي أحد منه.
أما الحياد فيعني أن على القاضي ألا يكون له رأي مسبق عن أية قضية أو ملف ينظر فيه، وألا تكون له مصلحة في المآل أو النتيجة التي ينتهي إليها النظر في القضية، وألا يسلك سبيلا يرجح مصلحة طرف على طرف آخر. علما أنه يجب أن تتاح له شروط العمل بعيدا عن أي تأثير من الهيئات الحكومية، وبعيدا عن وسائل الإغراء والضغط أو التهديد.
ومهما يكن من أمر فإن تركت الساحة للتعصب السياسي، فإن هذا من شأنه أن يقود إلى تقويض سيادة القانون. وبذلك تتجمع شروط وظروف انتهاك حقوق الإنسان بمنأى عن العقاب. وفي ظل هذا الواقع يشعر القائمون على إنفاذ القانون بأن لهم حرية في احتجاز الأفراد عشوائيا،وأنهم يستطيعون تعذيب المشتبه فيهم، دون خوف من المحاسبة أو العقاب. وهكذا يسود بين المواطنين شعور مفاده أنه لا ملاذ يمكن اللجوء إليه لطلب الإنصاف وتكريس العدالة.
وقائع مساري اتهام ومحاكمة كل من مبارك ومرسي
محمد حسني مبارك
اتهم مبارك في قضايا تتعلقبوقائع حدثت، ومستندات وجدت، وشهود عيان على أحداث تم اتهامه فيها بشكل واضح ورسمي، فقدوجهت النيابة العامة اتهامات رسمية إلى مبارك وآخرين في أربع قضايا هي:
- قضية قتل المتظاهرين في 2011، واستغلال النفوذ، والتربح من صفقة تصدير الغاز لإسرائيل.
- الكسب غير المشروع (تضخم ثروته بما لا يتناسب مع دخله).
- القصور الرئاسية (حكم نهائي بات 3 سنوات).
- تلقي هدايا من المؤسسات الصحفية القومية (تصالح برد الهدايا وقيمتها)
كانت الحالة الصحية لمبارك مستقرة بعد إعلان تنحيه، ولكنه سافر إلى منتجع مستشفى شرم الشيخ،وظل بها من 11 فبراير إلى 15 إبريل 2011، بعد أن صدر أمر من النائب العام بنقله إلى إحدى المستشفيات العسكرية، ولم يتم تنفيذ الأمر.
بالنسبة لمآل هذه القضايا بالنسبة لقضية هدايا المؤسسات الصحفية صدر حكم ببراءة مبارك من التهم المنسوبة إليه. وبالنسبة لقضية الكسب غير المشروع، فما زالت التحقيقات مستمرة بشأنها. أما قضية قتل المتظاهرين فقد صدر حكم ضده بالسجن المؤبد في 2 يونيو 2012، لكنه طعن على هذا الحكم، وقضت محكمة النقض بإلغائه في 13 يناير 2013 وإعادة المحاكمة التي لازالت مستمرة.
وافق النائب العام على الإفراج عن الرئيس الأسبق حسني مبارك، بعد ما يقرب من 6 سنوات من محاكمته في عدة قضايا، من بينها قتل المتظاهرين إبان ثورة يناير، ليعود إلى منزله في مصر الجديدة، الذي بقي فيه حتى وافته المنية.
محمد مرسي
وجه الاتهام إلى محمد مرسي في العديد من القضايا ، أهمها:
- أحداث قصر الاتحادية (السجن المشدد 20 عاما).
- التخابر مع حركة حماس (السجن المؤبد).
- إهانة القضاء (حبس 3 سنوات وغرامة وتعويض، وانقضت بوفاته).
- اقتحام السجون (الإعدام).
- التخابر مع دولة قطر (براءة بعد وفاته).
- اقتحام الحدود الشرقية (مازالت منظورة،وانقضت له بوفاته).
بعد أن تم القبض على مرسي، في 3 يوليو 2013، واختفاءه وعدم الاعلان عن مكان احتجازه لمدة طويلة ، ثم التحقيق معه في قضايا مختلفة، وانهالت عليه عدة اتهامات،ثم أودع في السجن بالحبس الانفرادي، وكان يشكو من سوء المعاملة، وغياب الرعاية الطبية الكافية ، وتجاهل سوء الحالة الصحية له.
وفي فبراير 2017، تم نقل محمد مرسي إلى أحد المستشفيات الخاصة، لشكواه من آلام مستمرة في ذراعه اليسرى، وجرى تحويله إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة، وتم تشكيل لجنة طبية أكدت أصابته بعدة أمراض وهي، ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع السكر في الدم، والتهاب مزمن بالأعصاب، وأنه كان يعاني من ورم حميد بالأوعية المبطنة بالمخ، كما كشفت اللجنة تشنجات عصبية بالجانب الأيسر للوجه. وفي يونيو 2017، قرر رئيس محكمة جنايات القاهرة توقيع الكشف الطبي عليه،وكانت النتائج مماثلة للكشف السابق، كما أعاد القاضي القرار بالكشف عليه، في 29 نوفمبر 2017، بمستشفى السجن بطرة، وتم تشكيل لجنة أخرى من 10 أطباء، وبحضور كبير الأطباء الشرعيين، وتم تأكيد الأمراض التي يعاني منها، وخاصة أنه مريض بارتفاع ضغط الدم والسكر.
مقارنة بين معاملة الرئيسين مبارك ومرسي
جدول يوضح أوجه المعاملة التي تلقاها كل من الرئيسين السابقين مبارك ومرسي من الاحتجاز حتى الوفاة:
مسلسل | وجه المقارنة | حسني مبارك | محمد مرسي |
1 | مكان الاحتجاز | مستشفي طبي مجهز | داخل زنزانة انفرادي ، بعد اخفاءه لنحو 4 أشهر.
|
2 | علانية المحاكمة | تمت بعلانية | لم تكن علانية |
3 | الحالة الصحية | استقرار حالته الصحية و ايداعه بمستشفى طبي مجهز طوال فترة سجنه | تم توقيع الكشف الطبي عليه
و تبين وجود عدة أمراض
|
4 | حق الزيارة خلال الاحتجاز | تم السماح له بالزيارة لأسرته ومن أناس خارج أسرته | حرم من الزيارة لدرجة أن اضطرت أسرته لرفع قضية لتمكينها من زياته. وتمت زيارته بضع مرات تقل عن اصابع اليد الواحدة.
|
5 | جلسات المحاكمة | مودع على سرير طبي
فى قفص طبيعي |
مودع داخل قفص زجاجي |
6 | الرعاية الطبية | تلقي الرعاية الطبية الكاملة داخل مستشفي طبي | لم يتلقى رعاية طبية كافية و تم ايداعه فى الحبس الانفرادي |
7 | أهم الاحكام القضائية النهائية | حكم نهائي بالفساد بقضية “القصور الرئاسية” | حكم بالمؤبد، حكم مشدد 20 سنة ، حكم بالاعدام ،حكم 3سنوات في اهانة القضاء. |
8 | الوفاة | في غرفة العناية المركزية بمستشفى الجلاء العسكري بالقاهرة | توفي داخل معهد أمناء الشرطة في طرة أثناء محاكمتة في مزاعم التخابر مع حركة حماس الفلسطينية
|
9 | الموقف الرسمي | اعلان الحداد وجنازة عسكرية عقب الوفاة | لم يعلن أي حداد ، ولم يسمح بجنازة له أو تلقي العزاء فيه. |
10 | الدفن | في مقابر الأسرة بكلية البنات في مصر الجديدة | رفض السلطات طلبهم بدفنه في مقابر العائلة في محافظة الشرقية ، وتم دفنه في مقابر “الوفاء والأمل” في مدينة نصر بالعاصمة المصرية القاهرة |
إضافة إلى العناصر الواردة بالجدول ينبغي لنا التوقف أمام ظروف وفاة كل من الرئيسين، ففي حين تمت مراعاة سن مبارك المتقدمة وحالته الصحية في جميع مراحل محاكمته بما في ذلك إقامته المستمرة في مستشفى كامل التجهيزات توافرت له فيه كافة عناصر الرعاية الطبية، وأيضا روعيت حالته هذه في سبل نقله إلى ومنقاعة المحاكمة، فإن مرسي وبرغم سوء حالته الصحية المثبتة بالعديد من التقارير الرسمية فقد أمضى الغالبية العظمى من وقت احتجازه بالحبس الانفرادي بالسجن في ظروف احتجاز فاقمت من تدهور حالته الصحية، وحرم من الرعاية الطبية الضرورية، مما كان سببا في وفاته في النهاية.
ولم تنته التفرقة في معاملة الدولة لكلا الرئيسين بوفاتهما، فقد أرغمت عائلة مرسي على دفنه بشكل يكاد يكون سريا، وحرمت من إقامة جنازة له أو تلقي العزاء فيه بحجة الدواعي الأمنية. في المقابل وبرغم تأكيد المحكمة العسكرية على أن صدور حكم إدانة بات في حق مبارك في تهم مخلة بالشرف يحرمه من الحق كأحد قادة القوات المسلحة السابقين في جنازة عسكرية، إلا أنه قد تم تجاوز هذا الحائل القانوني فأقيمت جنازة عسكرية لمبارك حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه على رأس مسؤولي الدولة، وتلقت عائلته العزاء الرسمي من جهات عدة بخلاف إتاحة الفرصة لعامة الناس لتقديم العزاء.
خاتمة
أيا كانت الحالة الراهنة داخل البلاد فإن ذلك لا يعفي مؤسسات الدولة من احترام المعاهدات والمواثيق الدولية المصدق عليها من قبل الدولة المصرية، واحترام الكلمات والعبارات الملزمة الواردة في الدستور والقانون. والتي ينبغي وفقا لها أن يعامل كل السجناء سواسية أمام أية جهة تحقيق قضائية، ولا يجب التمييز في المعاملة الإنسانية وتطبيق القانون على البعض دون الآخر، لأن القانون لم يحدد أشخاصًا معينين كي يتمتعوا دون غيرهم بضماناته، ولا يجب أن يعامل شخص بطريقة غير التي وضحها القانون، لمجرد تصفية حسابات سياسية عن طريق الاخلال بالمساواة وإهدار الحقوق،. بل يجب أن يتمتع بكافة حقوقه الدستورية والقانونية. واحترام الآدمية والإنسانية هما غريزة فطرية يتحلى بهما الإنسان المسؤول عن حياة الآخرين.
إن المقارنة التي عرضتها هذه الورقة بين ما مر به الرئيسان الأسبقان مبارك ومرسي لا تدع مجالا للشك في كيل مؤسسات الدولة بمكيالين وفق توجهاتها السياسية، فمبارك عومل كابن للدولة ومؤسستها العسكرية رغم جرائمه، ومرسي عومل كعضو في جماعة الإخوان المسلمين التي حظرها القانون وتناصب مؤسسات الدولة العداء. وأدى ذلك إلى اختلال ميزان العدالة في تعامله مع كل منهما وفي توفير ما يتخطى الضمانات الاعتيادية الضرورية في حال الأول، في حين حرم الثاني من الحد الأدنى منها.
توصيات
لا سبيل إلى رأب الخرق الفادح في موازين العدالة والإغفال المنهجي لضمانات المساواة و المحاكمة العادلة السائد حاليا حينما تمليه الاعتبارات السياسية إلا بأن تضلع مؤسسات الدولة المصرية المختلفة بدورها في تصحيح تلك الأوضاع المختلة، وتتوجه الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إلى هذه المؤسسات بدءا بمجلس النواب، ومؤسسة القضاء، والنيابة العامة، ومؤسسات إنفاذ القانون متمثلة في وزارة الداخلية، ومن قبلها مؤسسة الرئاسة مطالبة بالتالي:
- الإصلاح التشريعي بإلغاء القوانين والمواد التي تحد من استقلال القضاء وتنتقص من حيدته وتغل يده عن أداء دوره الصحيح.
- تطبيق ما يمليه الدستور والقانون من قواعد وحقوق المتهمين ، وقيام النيابة العامة بدورها الإشرافي للتأكد من الالتزام بهذه القواعد والتحقيق في أي شكوى من الإخلال بها، وبصفة ظروف الاحتجاز الشكاوى من سوء المعاملة.
- التزام النيابة العامة بدورها الرقابي على السجون والتأكد من توافر الحد الأدنى الذي يقرره القانون من ظروف العيش داحل أماكن الاحتجاز القانونية، ومن توافر الرعاية الطبية وتمكين السجناء من الحصول على الخدمات الطبية الضرورية حسب حالتهم الصحية خارج السجن إذا لم تتوفر به.
- الالتزام التام بضمانات المحاكمة العادلة، من المساواة أمام القانون، وافتراض براءة المتهم حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات بعد استنفاذ درجات التقاضي، وعلانية المحاكمة، وافساح المجال لكافة شهود الاثبات والنفي، وتمكين محامي الدفاع من أداء واجبه والاتصال بموكله وقبول الطلبات القانونية الصحيحة التي يقدمها. إلخ.