أولاً: التقديم
يشكل الموقع الجغرافي للمملكة الأردنية دورا أساسيا في السياسة الداخلية للحكومة وطريقة تفاعلها مع قضايا حرية الرأي والتعبير، حيث تقع المملكة في بؤرة الصراع مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، ولها حدود مشتركة مع كل من العراق وسوريا اللتان شهدتا ميلاد تنظيم داعش. أما في داخل الأردن فشكل الصراع بين أفكار ليبرالية تدعو للحداثة وتيارات أصولية تنمو وتسعى لفرض إرادتها على المجتمع دورا محورياً في قرارات السلطات الأردنية نحو الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي خلال 2019.
فقد تصدت الحكومة الأردنية للضغوط المصرية والسعودية ولم تحظر جماعة الإخوان المسلمين، بل وسمحت للجماعة من خلال حزب (جبهة العمل الإسلامي) بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية والتمثيل في مجلس النواب.
وخلال السنوات القليلة الماضية فرضت التيارات الدينية المحافظة رؤيتها على المجتمع ودفعت الحكومة لارتكاب عدد من انتهاكات حرية التعبير بدعوى “خدش الحياء العام”، “الحفاظ على عادات وتقاليد المجتمع”، “الحفاظ على سمعة الأردن”، أو “الاساءة للذات الالهية والدين الإسلامي”.
فقد استطاعت الجماعات المحافظة الضغط على الحكومة لإلغاء مهرجان الألوان المستوحى من الثقافة الهندية، وأثارت ضجة مع إعلان أحد الفنادق عن نيته في تنظيم حفل لنزلاء الفندق يتضمن “عشاءً، ودي جي، ووضع رغوة في أحواض السباحة التابعة للفندق ذاته. كما أثار مسلسل جن الذي عرض على منصة نتفلكس، يوم 13 يونيو، ردود فعل غاضبة في المملكة بزعم أن المسلسل يتضمن مشاهد تتنافى وقيم المجتمع الأردني، وأصدر مجلس النواب في 15 يونيو، بياناً أكد فيه سعيه إلى استحداث تشريعات تكفل عدم الخروج عن التقاليد الوطنية والمنظومة القيمية.
ثانياً: التطور التشريعي والقانوني
شهدت العاصمة الاردنية خلال عام 2019، جدالا واسعا حول اثنين من القوانين المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والحق في تداول المعلومات، واستطاعت منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير صد عملية تمرير قانون الجرائم الالكترونية، في حين استطاعت الحكومة الأردنية تمرير مشروع قانون الأمن السيبراني لسنة 2019، في مجلس النواب.
ففي 19 فبراير 2019، ناقش مجلس النواب الأردني مشروع القانون المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية، واختتمت الجلسة بالتصويت بالأغلبية على رد مشروع القانون إلى الحكومة لإدخال التعديلات اللازمة على بعض نصوصه، على وجه الخصوص النصوص التي تتعلق بتعريف خطاب الكراهية، وعقوبات الأخبار الكاذبة.
حيث يتضمن مشروع القانون على سبيل المثال تعريفاً فضفاضاً لخطاب الكراهية”، ويساوي المشروع بين خطاب الكراهية والانتقاد المباح للشخصيات العامة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يسمح مشروع القانون للحكومة بمصادرة الأجهزة الشخصية وتفتيشها، مما ينتهك حق المواطنين في الخصوصية.
وكانت الحكومة الاردنية قد أجرت في 11 ديسمبر 2018، بعض التعديلات على مشروع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، الذي سحبته من مجلس النواب، ثم أرسلته مجددا إلى المجلس.
أما فيما يتعلق بمشروع قانون الأمن السيبراني لسنة 2019، فقد بدأ مجلس النواب يوم 21 يوليو، أولى جلسات دورته الاستثنائية المنعقدة بموجب مرسوم ملكي لمناقشة 13 قانوناً من بينها هذا القانون. وفي 30 يوليو وافق مجلس النواب على مشروع القانون تمهيدا لعرضه على مجلس الأعيان، ويتضمن مشروع القانون إنشاء مجلس وطني للأمن السيبراني. وتضمن مشروع القانون انتهاكاً للحق في تداول المعلومات حيث منحت المادة جهة الإدارة (المركز الوطني للأمن السيبراني) سلطة مطلقة في “حجب أو إلغاء أو تعطيل شبكة الإتصالات ونظام المعلومات والشبكة المعلوماتية وأجهزة الاتصالات والرسائل الإلكترونية الخاصة مع الجهات ذات العلاقة عن كل من يشتبه في ارتكابه او اشتراكه في أي عمل يشكل حادث أمن سيبراني”. وأعطت المادة للمركز الوطني للأمن السيبراني هذا الحق لمجرد الاشتباه في ارتكاب أو الاشتراك في أي عمل يشكل حادثًا سيبرانيًا، بينما يجب أن يكون هذا الحق حصرا على السلطة القضائية صاحبة الاختصاص الأصيل.
ثالثاً: القضايا الأكثر تأثيراً في حرية التعبير
من القضايا الأكثر تأثيرا في الأردن خلال عام 2019، قضية حجب المواقع الإخبارية، حيث حجبت السلطات الأردنية خلال شهر مارس، 45 موقعًا استنادا لأحكام قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1988، وتعديلاته بموجب القانون رقم 32 لسنة 2012، وتنفيذا لهذا القانون المعيب حجبت السلطات الاردنية منذ عام 2013، مئات المواقع، حيث ألزمت المادة 49 من القانون المطبوعات الإلكترونية التي تنشر الأخبار والتحقيقات والمقالات والتعليقات بالتسجيل والترخيص، لكن في الوقت نفسه تُطَبَّق عليها جميع التشريعات النافذة ذات العلاقة بالمطبوعة الصحفية.
كذلك قضية منع اعتصام المعلمين، يوم 5 سبتمبر، قرب دار رئاسة الوزراء في العاصمة عمان، وقيام أجهزة الأمن باعتقال ما يزيد عن خمسين معلم، وقرار نقابة المعلمين الدخول في إضراب مفتوح عن التعليم، وتضامن الطلبة وأولياء الأمور مع المعلمين، وقضية احتجاجات مدينة الرمثا بمحافظة إربد ”شمال الأردن“ يوم 23، 24 أغسطس، على قرار تحديد كميات السجائر التي يمكن للمسافر إدخالها معه، وتطور الاحتجاجات إلى مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين واعتقال عشرات المتظاهرين.
رابعاً: الإنتهاكات التي نالت من حرية التعبير
منع وإعاقة الفعاليات السلمية
من الانتهاكات التي شهدها هذا العام قرار محافظ العاصمة سعد شهاب يوم 8 يوليو، بإلغاء، المؤتمر الوطني الأول لمكافحة الرذيلة، الذي كان مقررا عقده في مجمع النقابات بدعوة من جمعية أنصار الفضيلة الأردنية (درع)، وتحت رعاية وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، وجاء قرار شهاب بدعوى عدم حصول المنظمين على الموافقات اللازمة لإقامة المؤتمر، كما منعت الأجهزة الأمنية وقوات الدرك وصول لجنة أهالي ونصرة المعتقلين والعديد من النشطاء إلى مقر المركز الوطني لحقوق الإنسان، مساء 2 يونيو، لتسليم مذكرة تخص المعتقلين السياسيين، وسجناء قضايا الرأي والتعبير في المملكة.
كما منعت قوات الأمن أيضاً، المعلمين من الاعتصام قرب دار رئاسة الوزراء عند الميدان الرابع في العاصمة عمّان، يوم 5 سبتمبر، للمطالبة بعلاوة وظيفية قدرها 50%، واعتقلت قوات الأمن ما يزيد عن خمسين معلمًا، وتم ترحيل 13 منهم إلى مركز أمن البيادر، وردا على التعامل الأمني الخشن مع اعتصام المعلمين، قررت نقابة المعلمين الدخول في إضراب مفتوح عن التعليم.
الحجب
استمرت السلطات الأردنية في سياسة حجب المواقع الاخبارية ولم تسلم من الحجب تلك المواقع التي أسسها الشباب الاردني في الخارج بهدف الاستفادة من الحريات الإعلامية في الدول التي يقيمون فيها.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر فقد حجبت السلطات الأردنية موقع “الأردنية” الإخباري بعد ساعات من إطلاقه يوم الأحد 19 مارس، بدعوى مخالفة شروط الترخيص الواردة في قانون المطبوعات والنشر؛ كونه يقدم محتوى أخبار يتعلق بالأردن رغم انه يصدر من خارج الأردن.
كما أعلنت مديرة مديرية التراخيص في هيئة الإعلام مجد العمد يوم 5 مارس، أنه تم حجب 45 موقعا إلكترونيا.
الاعتداءات
لم يقتصر الاعتداء على الصحفيين على السلطة فحسب بل امتد ليقوم به عدد من المواطنين دون تدخل من السلطات لوقفه، ومن الأمثلة على ذلك اعتداء عدد من الأشخاص على طاقم عمل قناة رؤيا خلال تغطيتها وقفة احتجاجية للمعلمين يوم 3 أكتوبر بساحة مجمع النقابات المهنية، وذلك بدعوى تعمد القناة نقل الفعالية في نهايتها بهدف إظهار ضعف المشاركة فيها.
كما أقدم محتجون مساء 23، و 24 أغسطس، على قطع الطرق في مدينة الرمثا بالحجارة والإطارات المشتعلة، فيما استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، واعتقلت عدداً من المواطنين بينهم أشخاص كانوا يقومون بتصوير الأحداث.
الحبس
تحاول السلطات الاردنية تقييد الحق في حرية التعبير بعدة وسائل من بينها حبس الضحايا وشغل الحبس الحيز الأكبر من انتهاكات هذا العام وعلى سبيل المثال، ووفقا للترتيب الزمني للأحداث فقد احتجز منذ منتصف شهر مارس الماضي، ما يزيد عن 10 أشخاص، معظمهم مرتبطون بتحالف “الحراك”، بتهم تنتهك حقهم في حرية التعبير مثل “إطالة اللسان” أو تهم غامضة مثل “تقويض نظام الحكم السياسي” و”السب والقذف”، وذلك بسبب النشر على اﻹنترنت.
وألقت الأجهزة الأمنية القبض على الصحفي نضال سلامة يوم 2 يناير 2019، وتم تحويله إلى مركز الإصلاح والتأهيل لتنفيذ حكم سابق بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بزعم “مخالفة قانون النشر والمطبوعات”، على خلفية قضية نشر تتعلق بإحدى المستشفيات الخاصة. وأفرج عنه لاحقا في 5 فبراير 2019، بموجب قانون العفو العام.
كما ألقت أيضا أجهزة الأمن القبض على الصحفي جهاد أبو بيدر، يوم 7 أبريل، من أمام مبنى قناة الأردن اليوم، قبل دخوله للمشاركة في لقاء تلفزيوني للحديث عن قضية تزوير دمغة الذهب، قبل أن تفرج عنه أجهزة الأمن التابع للبحث الجنائي بعد يوم واحد من احتجازه.
واحتجز مدعي عام عمان، يوم 19 مايو، صاحب قناة “الأردن اليوم” محمد العجلوني، ومقدمة البرنامج الساخر “ع الرابع”، رنا الحموز على إثر شكوى تقدم بها مدير عام قوات الدرك اللواء حسين الحواتمة بعد عرض القناة فيديو ناقد لتصريحات العجلوني التي اتهم فيها عسكري متقاعد مشارك في المسيرات، بأنه “إما يسعى لمكاسب شخصية أو أنه مدعوم من جهات خارجية”.
كما اعتقلت الأجهزة الأمنية المحامي فراس الروسان، يوم 22 مايو وتم حبسه لمدة شهر بتهمة إطالة اللسان، ثم أفرج عنه في 20 يونيو، وألقت مديرية الأمن العام مساء 9 يونيو القبض على عدد من الأشخاص ممن شاركوا في اعتصام بالقرب من المركز الوطني لحقوق الإنسان بدعوى “المشاركة في اعتصام غير مرخص”، قبل أن تفرج عنهم في نفس اليوم بعد توقيعهم على تعهدات بالمحافظة على الأمن والنظام وعدم القيام بأي أعمال من شأنها الإخلال بالأمن والنظام، وكان من بين المعتقلين “طاقم عمل قناة الأردن اليوم”، الاعلامية عبيدة عبده، وعلي خلف وقتيبة المومني، المكلفين بالتغطية الإعلامية للاعتصام.
وفيما له علاقة بالحبس أيضا اعتقلت أجهزة الأمن صهيب نصر الله، ومالك الجيزاوي، ومحمد عجاج، يوم الخميس 27 يونيو، على خلفية المشاركة في اعتصام مناهض لورشة البحرين في مخيم البقعة، وأسندت إليهم تهمة “الإساءة لدولة عربية شقيقة بالهتافات”.
المحاكمة
كانت محاكمة النشطاء وقادة الرأي من السبل التي استخدمتها السلطات الاردنية ولا زالت تهمة إطالة اللسان من الاتهامات الجاهزة لكل من يعارض او ينتقد أو يجأر بالشكوى من سوء الأحوال المعيشية، وشهد هذا العام على سبيل المثال:
حكم صدر من محكمة صلح جزاء عمان يوم 9 مايو بسجن الناشط طه الدقامسة، لمدة عام بتهمة إطالة اللسان، كما تنظر المحكمة في نفس الوقت في قضية الناشط على الخريسات بتهم مماثلة.
وفي 10 مايو أمر مدعي عام عمان بحبس الناشط الحراكي أحمد النعيمات، بزعم “إطالة اللسان، وذم هيئة رسمية”، وأفرجت عنه محكمة صلح جزاء عمان يوم 10 يونيو، بكفالة، بعد حبس دام نحو شهر.
كما قرر مدعي عام عمّان، يوم 2 سبتمبر، حبس رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب، عبد الكريم الشريدة، لمدة 14 يوماً في سجن الجويدة بتهمة إطالة اللسان على خلفية فيديو نشره عبر حسابه على موقع “فيسبوك”، انتقد خلاله تدخل الديوان الملكي في تعيين شيوخ العشائر. ثم وافق المدعي العام يوم 11 سبتمبر على الإفراج عن الشريدة بكفالة مالية.
خامساً: الاتهامات الأكثر شيوعاً ضد حرية التعبير
قدمت السلطات الاردنية العديد من قادة الرأي إلى المحاكمة بتهم شاع استخدامها لتقييد حرية التعبير ولا تتوافق مع الحديث عن التحول إلى الدولة المدنية من بينها تهمة “إطالة اللسان”، “تقويض نظام الحكم السياسي”، “ذم هيئة رسمية”، تهمة “الإساءة لدولة عربية شقيقة بالهتافات”، و”السب والقذف”، “مخالفة شروط الترخيص الواردة في قانون المطبوعات والنشر”، و”مخالفة قانون النشر والمطبوعات”.
كما استخدم تعبير “عدم حصول المنظمين على الموافقات اللازمة” كمبرر لمنع إقامة المؤتمرات أو الندوات التي لا تلقى قبول السلطات في المملكة.
سادساً: الضحايا
ضمت قائمة الضحايا نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ونشطاء حراكيون من بينهم أحمد طبنجة الكناني، أحمد النعيمات، صبري المشاعلة، صهيب نصر الله، طه الدقامسة، عبد الله الوريكات، على الخريسات، فراس الروسان، كميل الزعبي، معاوية الشواورة، نعيم أبو ردينة، مالك الجيزاوي، ومحمد عجاج، وعدد من المعلمين أثناء اتجاههم نحو الدوار الرابع يوم 5 سبتمبر.
كما ضمت القائمة عددًا من الاعلاميين والصحفيين من بينهم المخرج محمد العجلوني، ومقدمة البرامج رنا الحموز، الصحفي نضال سلامة، الصحفي جهاد ابو بيدر، الإعلامية عبيدة عبده، الصحفي علي خلف، الصحفي قتيبة المومني. بالاضافة إلى طاقم عمل قناة رؤيا خلال تغطية وقفة المعلمين يوم 3 أكتوبر.
ولم تخلو القائمة من المدافعين عن حقوق الإنسان مثل رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب، عبد الكريم الشريدة.