أولا من هو أحمد عبد الله رزة؟
هو أستاذ العلوم السياسية والناشط السياسي. توفي في فراشه فجأة ليلة الخامس من يونيو ٢٠٠٦. يوم الذكرى التاسعة والثلاثين للهزيمة العسكرية التي حاقت بمصر وفتحت أمام جيله والأجيال التالية عديد من الأسئلة المصيرية التي لم نتجاوز إجابتها كاملا بعد. توقف منظم القلب الكهربائي الذي زرعه قبلها بعدة أعوام وكان قد تلكأ قليلا في تجديد بطاريته! كانت نهاية سخيفة طائشة! عاش أحمد عبد الله 56 عاما فقط. بمتوسطات أعمار هذه الأيام في مصر هو عمر قصير.
ملأ “أحمد عبد الله رزه” خيال جيله، عَلَما معروفا كزعيم وخطيب للطلبة في أنتفاضتهم “الوطنية” عامي 1972 و1973:
أنا شُوفت شباب الجامعة الزين “أحمد” وبهاء وجميعي وزين§
بعد عودة “احمد” من بعثته الدراسية لنيل دكتوراة العلوم السياسية في أنجلترا ورغم نشاطه السياسي والاجتماعي المتواصل وانتاجه العلمي الرفيع؛ إلا أن دائرة الضوء أخذت تخفت رويدا رويدا وتقتصر على الدوائر الأكاديمية السياسية والمحيطين به والأقربين. ولمرات، نادرة، لمع كوميض عابر في حوارات قليلة العدد مع التلفزيون المصري وقناة الجزيرة. شدت هذه الحوارات أنتباه جمهور مصري وعربي أوسع لأكاديمي مرموق ومتابع دقيق واسع الاطلاع لمجريات الأمور في بلده والمنطقة والعالم، وصاحب رأي مستقل يخلو من الرطانة والإلغاز، وقادر على شرح فكرته ببساطة وبراعة وتوصيلها بيُسر إلى الجمهور العام. لم يتقلد “أحمد” أبدا منصب في جامعات الدولة المصرية ولا مراكز أبحاثها ولا هيئاتها السياسية أو الدبلوماسية ولا صحفها القومية ولا المتخصصة؛ حتى مات. تكسب أحمد من عمله استاذا زائرا لبعض الوقت ومشاركا في مشاريع بحثية بجامعات ومراكز محلية وأجنبية عديدة وفرت له دخلا استطاع أن يحيا به حياة كريمة بسيطة؛ دون سفه استهلاك ولا تقتير.
الكثير ممن شارك أو عاصر معه هذه الأحداث قد قارب أو تجاوز الستين من العمر، هذا إذا كان من الأصل على قيد الحياة. بينما الأجيال الفتية ربما لا يعرف معظمها الاسم؛ أو أن المهتم منهم بالشأن العام خصوصا بعد “ثورة 25 يناير 2011″، لم تتوفر له فرصة لقاء عن قرب ليتعرف على هذه الشخصية ذات الجاذبية الفريدة.
ما يبدأ به هذا الكتاب هو محاولة تقديم “أحمد عبد الله رزة” للقارئ كإنسان مصري مُتميِّز صاحب مواهب خاصة وقناعات خاصة ألزم نفسه بها ودفع ضريبتها. ورغم الإنكار والاجحاف الذي لحق به في حياته إلا أن موته وفر له جائزة لم يحصل عليها إلا من نال الاعتراف والتقدير العام.