إعداد: احمد قناوي

المحامي بالنقض

تقديم:

بتاريخ 28/7/2021 أصدر نقيب المحامين قرارا بتشكيل لجنة برئاسة  وكيل نقابة المحامين وتضم في عضويتها ثلاثة عشر عضواً من المحامين الذي يشغل بعضهم مواقع نقابية سواء في سلم التدرج الهيكلي في مجلس نقابة المحامين أو نقباء فرعيات .

مضمون هذا القرار هو رقابة ومتابعة ما ينشره المحامين والمحاميات على الانترنت ولاسيما شبكات التواصل ، وتقييمه .

وقد حظي القرار المشار إليه بمقدمة تمهيدية غاضبة ، وانتهى بتهديد صريح بممارسة الرقابة ، ومن خلال آلية تفتقر إلى الاستقلال فضلاً عن مخالفتها للقانون من ناحية الاختصاص ثم من ناحية الإثبات.

وفي النقاط التالية  نبرز أهم الملامح حول تلك اللجنة وعملها وخطورتها على حرية التعبير واغتصابها لدور أجهزة رقابية مناط بها تحقيق الجرائم .

مقدمة غاضبه تقود  إلى قفز على القانون وقواعد العدالة .

تبريراً لقرار إستثنائي كانت المقدمة له إستثنائية ، تحمل قدراً من الغضب ، و تخصم من القدر الواجب في إحترام القانون من ذلك مثالاً لاحصراً (  نظراً لأنه قد اخفق كل ما نقوم به من مجهودات ابذلها شخصياً من عام ونصف لإيقاف هذه التطاولات والشتائم والاكاذيب والسباب والبذاءات واعادتها الى جادة الصواب …..إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل …..وشجعها شجع أمثالها على ذلك عدم تنفيذ العدالة الناجزة … وهو ما لا يمكن الاستمرار فيه والسكوت عليه ….) .

المقدمة إشارت الى واقعة محددة أخفق نقيب المحامين في محاسبتها وفق القانون الذى ينظم ذلك ، بلاغ ، تحقيق فني ، تحريك الدعوى الجنائية أو حفظها ، إدعاء مباشر ، حكم جنائي ، عرض على التأديب ، هذا المسار المخفق لحالة محددة أو حالات محددة قاد الى فكرة تجاوز القانون !

والخطورة هنا هي فكرة الانحياز الى تطبيق الانتقام بديلاً عن العدالة،  من مؤسسة سطرت في تاريخها مواقف مشرفة للدفاع عن القانون وسيادته وقيم العدالة.

الهدف والآلية والإثبات والعقوبة .

حدد القرار هدف للجنة المشار اليها : “حصر ما ينشر على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أو في أي مطبوعات ورقية أو صوتية من بذاءات وشتائم وسباب وقذف في حق أحد أو آخر من المحامين والمحاميات أو آحاد الناس ”

ودور اللجنة بعد ذلك وفقاً لما جاء بالقرار ” على أن تتيح اللجنة – لإدارة التأديب – صورة مطبوعة من على مواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك من المطبوعات الورقية أو السمعية أو المرئية ” وتقوم إدارة التأديب بتلقي ذلك وتلقي شكاوى المحامين أو أحاد الناس وترفع مذكرة بذلك الى نقيب المحامين.

العقوبات المقررة وفقاً للقرار 

القرار حدد أن المادة محل التطبيق هنا هي الفقرة 5 من المادة  13 من قانون المحاماة والذي جرى نصها على النحو التالي ” أن يكون محمود السيرة، حسن السمعة، أهلا للاحترام الواجب للمهنة، وألا تكون قد صدرت ضده أحكام تأديبية أو انتهت علاقته بوظيفته أو مهنته أو انقطعت صلته بها لأسباب ماسة بصلاحيته للوظيفة التى كان يشغلها” وقد فسر القرار تلك المادة على نحو ما جاء فيه ” وما ورد بالفقرة الأخيرة من ذات المادة من أنه يترتب على فقد أى  شرط من الشروط أو بالبنود الثمانية الواردة بالمادة المذكورة …. ( يترتب سقوط قيد المحامي بقوة القانون من تاريخ افتقاده أى شرط من تلك الشروط )….. ومن ثم فإن العقوبة – وهي الأشد علي الإطلاق – إسقاط القيد!

مخالفات عديدة تواجه القرار : قانونية ، حقوقية ، نقابية 

ضبط الجرائم وتحرير محاضر جمع الاستدلالات وغيرها لجهات التحقيق والاجهزة التى أناط بها القانون ذلك  ، القرار المشار إليه يقوم مقام تلك الاجهزة ويحل نفسه محلها ويوقع أشد العقوبات المنصوص عليها في قانون المحاماة وهو إسقاط القيد .

من مثالب هذا القرار المجحف:

(ا) لجنة التأديب غير مستقلة والنقيب خصم وحكم 

اللجنة المشار اليها في القرار هي لجنة التأديب في نقابة المحامين وهي لجنة إدارية معينة (موظفين) وحتى لو كان على رأسها عضو مجلس نقابة فهي في جوهرها تتلقى التعليمات وتنفذها ومن ثم تفتقد الحد الأدنى الواجب توافره من الاستقلال، ثم بعد ذلك تعرض مذكرتها على نقيب المحامين الذي هو خصم في غالب ما ذكره في القرار .

(2) افتقاد الوسائل الفنية

نسبة أي محتوى الكتروني عملية معقدة لا تتوافر الا للأجهزة المعنية بذلك ، وجوهرها الخروج بنتيجة مؤكدة وهو نسبة المحتوى سواء كان هذا المحتوي ” كتابة أو صوتي أو صور أو فيديو أو غير ذلك من وسائل التعبير ” وهو أمر لم يتطرق اليه القرار ولا تتوافر لدى النقابة تلك الآلية فضلاً عن أن استخدمها غير قانوني وغير منتج طالما ليس من الادوات التى حددها القانون .

 (3) تغاضي القرار عن الآليات الموجودة في قانون العقوبات وغيرها من القوانين ذات الصلة كقانون التوقيع الإلكتروني وغيرة .

القرار المشار اليه يتغاضى عن مجمل التشريعات المنظمة للحالة والاسباب التى برر بها نقيب المحامين اتخاذ قراره المعيب ، فقضايا السب والقذف رسم لها القانون طريقاً محدداً سواء بالشروط التى تتعلق بالشكوي وبتحديد متي يعتبر سباً ومتي يعتبر قذفاً أو بمحتوى يجمع بينهما ، وفي مجال الإثبات للمحتوى الإلكتروني أو صوتي أو فيديو أو بث مباشر فإن الدليل الفني لنسبة ذلك الى شخص محدد يقتضي تدخل عناصر فنية كما هو موجود في وحدة مباحث الإنترنت أو في هيئة تكنولوجيا المعلومات  ، والنقابة عليها ألا تتربص للمحامين ، وتنتظر ما ينتهي إليه الدليل الفني و الحكم القضائي فلا تسبقة فتخرج عن قاعدة بديهية وهي أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فإن لم تفعل ذلك فقد  اغتصبت سلطة ليست لها .

الامر الآخر فإن القرار المذكور قد يخلط – وهو وارد جداً – بين الإنتقاد لأسباب نقابية وبين السب والقذف فيضحي سيفاً مسلطا على كل اصحاب الآراء والنقد المباح.

(4) القرار سمح لآحاد الناس بالتقدم بشكاوى ضد محامين

و فضلا عن المخالفات السالف ذكرها ، فإن القرار يفتح مجالات لا حصر لها في الوقيعة بالمحامين واصحاب الرأي لصالح خصومهم وما اسهل ذلك ، بنسبة عبارات غير حقيقية لهم ، واصطناع أطراف الخصومة وفي غياب دليل فني واجب فإن الجميع قد يكون ضحية بلاغات كاذبة ووفقاً للقرار فإن العقوبة إسقاط القيد .

الخلاصة 

لاحل بشأن القرار سالف الإشارة إلا سحبه وإعلان ذلك بذات وسيلة نشره كونه يفتقد الي الشرعية، فضلا عن العديد من المطاعن التي اوردناها ، خاصة أنه يمكن أن يكون عائقا عن توقيع اية عقوبة تأدبية إذا انعقدت بسببه خصومه قضائية حول واقعة حققت بذات الطريقة الواردة في القرار ومن ثم يصبح هو بذاته سبباً لمنع توقيع جزاء تأديبي قد يكون مستحقاً كما انه يمكن المبادرة برفع دعوي قضائية بالطعن عليه لكل صاحب مصلحة وهي هنا لكل اعضاء الجمعية العمومية لنقابة المحامين .


للنسخة word

للنسخة PDF