مقدمة
تقف المذيعة “نهى درويش” أمام كاميرا قناة “إكسترا نيوز” تقرأ بكل جدية تصريحات مصدر طبي مسؤول حول وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وتقول بكل ثقة “… ، وقد أكد المصدر أن جميع الوثائق التي تؤكد تقديم الرعاية الصحية له موجودة وسيتم تقديمها للجهات المعنية” ثم أضافت بلا تردد “وتم الإرسال من جهاز سامسونج”.
حَدث نهى درويش لم يكن مجرد خطأ وقعت فيه مذيعة، ولكنه حادث كاشف لما وصل إليه حال أغلب وسائل الإعلام في مصر، ونحن إذ نرصد تلك الواقعة فإننا لا نقصد بها الإساءة لأحد، وإنما نرصدها للتدليل فقط على مدى تأثير سياسة الإملاءات الأمنية والأوامر الحكومية على صناعة الاعلام والتأثير في الرأي العام في مصر.
وهذه الحادثة بمقدار ما جعلتنا نتعرف على فوائد “الأوتوكيو”، لكنها جعلتنا نتسائل عمن يقف وراء الكاميرا يحرك شفاه بعض المذيعين في القنوات المصرية بنشرة موحدة كتبت مسبقاً، ودون أي تدخل تحريري.
و”الأوتوكيو” كما هو معروف جهاز يعكس ما يكتبه المحرر على كاميرا التصوير أمام المذيع، وعندها يستطيع المذيع قراءة ما كتب له وهو ينظر في عيني الجمهور مباشرة وهو ما يعطي انطباعا ببراعته.
هذه الورقة الرصدية
هذه ورقة رصد ومتابعة لتغطية بعض وسائل الاعلام المصرية ، من حيث التناول والتزام معايير المهنية ، بالنظر الى أهمية الخبر.
وقد تم اختيار سبعة وسائل اعلامية بمراعاة أنها ” مقربة للسلطة وغير محجوبة” وهي :
صحف ” جريدة الاهرام ، المصري اليوم ، الوطن ”
وقنوات فضائية ” النهار ، صدى البلد”.
ومواقع ” مصراوي ، اليوم السابع”.
أولا: نماذج من تناول وسائل الاعلام المصري لحادثة وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي
1 – صحيفة الأهرام
جاء خبر وفاة محمد مرسي في الصفحة الرابعة ( صفحة حوادث وقضايا) من صحيفة الأهرام؛ يوم 18 يونيو، غير مصحوبا بصورة، واختلف حجم الخبر في الطبعة الثانية عنه في الطبعة الاولى، فقد جاء الخبر في الطبعة الأولى على عمود واحد وستة أسطر، بينما جاء في الطبعة الثانية في نفس الصفحة على أربعة أعمدة، وثمانية أسطر وذلك بعدما أضيف للخبر البيان الصادر من النيابة العامة.
أما الصفحة الأولى فقد تصدرتها زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لبيلاروسيا، ,اخبار عن ليبيا وترامب واخبار اخرى متنوعة ، دون ذكر لوفاة رئيس سابق لمصر.
وفي يوم 19 يونيو، تناولت الطبعة الثانية من صحيفة الأهرام في الصفحة الرابعة (متابعات) رد الهيئة العامة للاستعلامات على تغريدات منظمة هيومن رايتس ووتش، دون عرض هذه التغريدات أو عرض وجهة نظر المنظمة الحقوقية الدولية.
أما يوم 20 يونيو فقد أفردت صحيفة الأهرام الصفحة الثالثة (متابعات)، للهجوم على جماعة الإخوان المسلمين، ورد وزارة الخارجية المصرية على تصريحات مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حول وفاة مرسي، وتصدرت الصفحة صورة ارشيفية بالالوان على مساحة 4 عمود لأحداث الاتحادية، بالاضافة إلى موضوع تحت عنوان “حتى الموت تستثمره الارهابية لتحقيق اهدافها الدنيئة”، وتضمنت الصفحة صور حرائق من احداث مكتب الارشاد بالمقطم، وضمت الصفحة أيضا تقريراً تحت عنوان “تصريحات أردوغان تدخل سافر في الشأن المصري.
ومن الملاحظ أن صحيفة الأهرام أرادت عن عمد تهميش خبر وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وذلك من خلال انها تناولت الخبر في صفحة الحوادث، وذكرت اسم محمد مرسي دون ألقاب، ولم تنشر أي صورة له لمحمد مرسي، ولم تتناول الحدث في أعمدة الرأي أو في الثلاث صفحات التي تخصصها الصحيفة لأصحاب الرأي، ولكن تطور الأحداث فرض على الصحيفة تناول الموضوع من وجهة نظر السلطة، فقط.
2 – صحيفة الوطن
ذكر خبر وفاة مرسي يوم 18 يونيو، في النصف الأسفل من الصفحة الثالثة على مساحة 2 عمود تحت عنوان ” وفاة “مرسي” أثناء محاكمته في “التخابر” والنائب العام: تحدث أمام المحكمة 5 دقائق. بينما جاء في النصف الاعلى من الصفحة صورة رئيس الوزراء خلال كلمته أمام مؤتمر “سيمليس شمال أفريقيا ، فيما غطت الصفحة الأولى أخبار زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لبيلاروسيا، وأخبار امتحانات الثانوية العامة، تراجع مبيعات هواوي، وفيلم كازابلانكا”، ومؤتمر القوى الوطنية في ليبيا، وبطولة الامم الافريقية.
وفي يوم 19 تناولت الصحيفة في الصفحة الثالثة موضوع كتبه محمد ابو عميرة عن رد الاستعلامات على تقرير هيومان رايتس ووتش عن وفاة “مرسي”.
بينما خلت الصحيفة يوم 20 يونيو من أي مادة صحفية تخص الحادث ووجهت أغلب صفحاتها لتناول كأس الامم الافريقية.
والملاحظ أن صحيفة الوطن قد حذت تماما حذو صحيفة الأهرام، والشيئ الوحيد الذي أضافته هي صورة محمد مرسي التي تضمنها خبر الوفاة.
3 – صحيفة المصري اليوم
أعطت صحيفة المصري اليوم، يوم 18 يونيو، خبر وفاة مرسي مساحة بارزة في النصف العلوي من الصفحة الأولى، وذلك على مساحة 3 عمود، بالتساوي وإلي جوار تغطية زيارة الرئيس السيسي لبيلاروسيا ورومانيا.
وتضمن الخبر صورة أرشيفية للرئيس مرسي أثناء محاكمته في احد الجلسات السابقة، وكتبت العنوان باللون الأحمر.
ورغم أن مضمون الخبر جاء في أغلبه شبه مطابق لما جاء في كل الصحف إلا أن أحمد شلبي وفاطمة أبوشنب، كتبوا اسم محمد مرسي مسبوقاً بلقب الرئيس الأسبق، كما أضافوا للخبر التأهب الأمني وتشديد مصلحة السجون الحراسات على العنابر التي يحتجز داخلها أفراد من الجماعة “المحظورة”
وفي يوم 19 يونيو أفردت مساحة 5 عمود من النصف السفلي للصفحة الأولى لتقرير صحفي كتبه أحمد شلبي وفاطمة أبوشنب، وعصام أبوسديرة، وتناول التقرير خبر دفن مرسي وصلاة الجنازة عليه وجاء الخبر على لسان عبدالمنعم عبدالمقصود محامي أسرة الرئيس الأسبق محمد مرسي وكتبت الصحيفة اسم محمد مرسي مسبوقا بلقب الرئيس الأسبق، وتضمن التحقيق صورة أرشيفية على عمود واحد للرئيس مرسي أثناء محاكمته في أحد الجلسات السابقة، وهو يرتدي بدلة زرقاء، وجاءت تتمة الموضوع في النصف الأسفل من الصفحة الرابعة، على أربعة اعمدة مصحوبة بصور على 2 عمود للرئيس الأسبق بالابيض والاسود، وتناول التقرير ما حدث خلال الجلسة الاخيرة للمحاكمة.
كما تضمنت الصفحة الرابعة (قضايا ساخنة) من صحيفة المصري اليوم، رد الهيئة العامة للاستعلامات على تغريدات هيومان رايتس ووتش عن وفاة مرسي، كما ضمت هذه الصفحة عمود رأي للدكتور عمرو الشوبكي، بعنوان رحيل مرسي، وفي الصفحة الخامسة نشرت الصحيفة عمود الكاتب سليمان جودة تحت عنوان “وفاة محمد مرسي!”.
والملاحظ أن صحيفة المصري اليوم، كسرت القيود المفروضة على الصحافة المصرية حيث تناولت الصحيفة الخبر في مكان بارز على الصفحة الاولى وأعطت العنوان اللون الأحمر الذي يعبر على أهمية الخبر، وذكرت اسم محمد مرسي مسبوقا بلقب رئيس.
4 – قناة النهار
بثت قناة النهار خبر وفاة الرئيس مرسي في موجز الانباء يوم 17 يونيو، وجاء الخبر في الترتيب الأخير بين الأخبار، في الدقيقة الخامسة وعشرين ثانية، واستمر الخبر لمدة ثلاثين ثانية من الموجز الذي استمر نحو 6 دقائق، وقرأ الخبر بالطريقة الموحدة التي قرأت في جميع وسائل الإعلام.
وسبق خبر وفاة الرئيس الأسبق، زيارة الرئيس السيسي لبيلاروسيا ومقابلة رجال الأعمال، تأمين المنشآت الحيوية لتأمين بطولة كأس الأمم الأفريقية، وقبول دفعة جديدة بالمعاهد الصحية للقوات المسلحة، وادانة وزارة الخارجية التفجيرات الإرهابية في مقديشو.
وفي برنامج آخر النهار قدم تامر أمين يوم 17 يونيو، خبر وفاة محمد مرسي مسبوقا بلقب دكتور وأكد أن محمد مرسي هو السجين الذي كان يحاكم بتهم كثيرة منها (التخابر، ومنها الفساد، ومنها استغلال النفوذ، ومنها ومنها) اثناء ما كان يتولي منصب رئيس الجمهورية في مصر قبل أن يعزله الشعب المصري في 30 /6/ 2013، وركز أمين اهتمامه على اتهامات مرسي بالتخابر مع قطر ومع حماس وتسريب أخبار ونقل اخبار تخض اﻻمن القومي المصري والسيادة المصرية إلى جهات أجنبية، وأخذ يؤكد أن مرسي مات أمام الناس في جلسة علنية وأصبح من التاريخ، وهاجم أمين السوشيال ميديا واتهمها بأنها ستعمل على إحداث حالة من “الفساد اﻻعلامي” واﻻشاعات، وأكد أن مرسي كان يعامل معاملة خاصة في السجن باعتباره رئيس جمهورية، ثم انتقل أمين إلى الحديث عن قطر وأميرها وبعد فاصل عاد أمين لقراءة بيان النيابة العامة، وربط خبر وفاة مرسي واستمرار الإرهاب وانتقل أمين من خبر وفاة مرسي إلى مشهد القبض على هشام عشماوي وهو خبر قديم ولكنه استمر نحو 5 دقائق يتحدث عن الإرهاب. وبخلاف برنامج تامر أمين فقد استمرت القناة في بث برامجها دون تغيير.
5 – قناة صدى البلد
– في حلقة يوم 17 يونيو من برنامج على مسئوليتي الذي يقدمه أحمد موسى على قناة صدى البلد
خصص أحمد موسى الحلقة التي استمرت نحو ساعتين و27 دقيقة لواقعة وفاة محمد مرسي، وقسم موسى الحلقة الى قسمين حيث استضاف في القسم الثاني الذي استمر نحو 40 دقيقة ابراهيم ربيع (قدمة البرنامج باعتباره قيادي اخواني) للحديث عن جماعة الاخوان، بينما انفرد موسى في الجزء الأول من البرنامج بباقي الزمن.
– وبدأ موسى الحلقة بمقدمة ترحم على الضحايا من القوات المسلحة والشرطة واتهم مرسي وجماعة الإخوان بقتلهم واتهم محمد مرسي بالتحريض والأمر بقتل ضحايا الجيش والشرطة، ووصف مرسي “بالجاسوس والارهابي و القاتل والمحرض على قتل أفراد الجيش والشرطة”
– ثم انتقل لخبر وفاة مرسي وأكد على انه مات أثناء المحاكمة وأنه كان يحظى بمعاملة خاصة داخل السجن حيث كان يزوره طبيبين يوميا للاطمئنان على صحته وكانت تلبي كل طلبات من طعام من خارج السجن وتدخل له الجرائد يوميا
وكانت أغلب الحلقة اتهامات ألقاها موسى في كل اتجاه حيث اتهم أبناء مرسي بتلقي أوامر القتل من والدهم، ووصف كل من ( محمد بديع، الاخوان والبرادعي والرئيس التركي الطيب أردوغان والأمير تميم”، بالقتلة.
كما اتهم المدافع الحقوقي بهي الدين حسن” ومنظمة هيومن رايتس ووتش بالعمالة واتهم هيومان رايتس ووتش ايضا بمراقبة حقوق الارهابيين فقط وأنها لا تعترف الا بحقوق الإرهابي والخاين والجاسوس، ونال توكل كرمان نصيب من هجوم موسى متهماً إياها بتخريب اليمن.
ثم هاجم قناة BBC ووصفها بعدم المهنية وانها تنحاز لجماعة الإخوان الارهابية ووصفها انها تقف في نفس منطقة قنوات الإرهاب
وهدد كل من يدافع عن مرسي أو يعزي فيه أنه سيكون في القائمة السوداء، موجها حديثه في البداية لأبو تريكة ووصفه بـ”المجرم، الخائن، العميل، الحرامي”، ثم كتائب القسام وحمدين صباحي، والبرادعي واصفا البرادعي انه “رقم 1 في التجسس والعمالة وانتقل بعد ذلك الى قراءة بيان النائب العام وعرض لقطات أرشيفية من قاعة المحكمة لمحاكمة محمد مرسي.
6 – موقع مصراوي
تابع موقع مصراوي خبر وفاة مرسي في عدد من التغطيات الاخبارية يوم 17 يونيو، وبدأت هذه التغطية في السادسة إلا عشر دقائق تقريبا بخبر نقل عن التليفزيون المصري بعنوان “وفاة الرئيس المعزول محمد مرسي العياط”، ثم تبعه بخبر تفاصيل سقوطه اثناء المحاكمة وكان أيضا عن التليفزيون المصري، ونشر الموقع 12 خبر حول وفاة مرسي.
وفي يوم 19 يونيو، اهتم مصراوي بتغطية ردود أفعال البرلمان وكيل البرلمان والمتحدث الرسمي باسم البرلمان المعارضة لتصريحات أردوغان، أو بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان، كما استعرض الموقع برامج التوك شو ليوم 17 يونيو، وعلى وجه الخصوص عمرو أديب، ومصطفى بكري.
ونشر الموقع في باب مقالات مصراوي مقال يتناول وفاة مرسي تناول فيه موقف التيارات السلفية المتباين من الوفاة وطبيعة العلاقة بين الإخوان وتلك التيارات.
والملاحظ في موقع مصراوي أنه نشر عن خبر وفاة مرسي بسرعة وكثافة، وجاءت بعض الأخبار قصيرة ونقلا عن التليفزيون الرسمي أو موقع قناة العربية، وبعض تلك الأخبار ذات محتوى تم تكراره رغم اختلاف العناوين.
لم يخرج الموقع في معالجة قضية وفاة محمد مرسي عن كونه صدى صوت للبيانات والإعلام الرسمي والاختلاف البسيط انه وضع لقب “الرئيس المعزول” قبل اسم محمد مرسي خلافاً للإعلام الرسمي، وعندما حاول رسم بروفايل لمرسي استعرض فقط القضايا التي يتم محاكمته فيها.
7 – موقع اليوم السابع
اختار اليوم السابع أن يغطي موضوع وفاة محمد مرسي من خلال البيانات الرسمية أو الاستعانة بشخصيات معروف قربها من السلطات التنفيذية، فقد استعان الموقع يوم 17 يونيو بكل من “خالد أبو بكر” و “معتز عبدالفتاح” في محاولة لتبسيط حادث وفاة مرسي.
فقد نشر الموقع في السابعة وعشرين دقيقة بيان النيابة عن وفاة محمد مرسي، ثم عرض أمر النيابة بدفن محمد مرسي، ثم نشر خبرين من تغطية خالد أبوبكر حادث الوفاة خلال برنامج الحياة اليوم والتي استضاف فيه معتز عبدالفتاح للتعليق على الحادث.
أما يوم 18 يونيو فقد تناول الموقع حادث الوفاة من خلال استعراض رفض حزب الأحرار الدستوريين، ومستقبل وطن، وحزب المؤتمر لتصريحات الرئيس التركي حو الوفاة ، وكذلك رفض ولجان البرلمان لهذا التصريح
واختار اليوم السابع أن يكون في الجزء الأمن تماما وذلك بأن يكون منبر للأصوات المعروفة بولائها للسلطة التنفيذية والمعبرين عنها دون المجازفة بالتجويد غير مأمون العواقب.
ثانيا: المعايير المهنية لتناول الأخبار في الإعلام
هناك معايير إعلامية متفق عليها في تحرير الأخبار وإخراجها سواء في شكل صحافة ورقية أو برامج إعلامية، فعلى سبيل المثال
كلما توفر في الخبر شرط (الحداثة، أو قرب مكان وقوع الحدث، أو أنه يهم كثير من المواطنين، ويتناول شخصية مهمة أو مشهورة، ويحتوى على صراع وإثارة، أو يكون الخبر غريب أو يثير العواطف الانسانية)، كلما كان هذا الخبر يستحق النشر، وكلما توافرت في الخبر عدد أكبر من هذه الشروط كلما استحق أن يكون مقدمة الأخبار. ولكن قبل كل ذلك يجب أن يوافق السياسة التحريرية للوسيلة الإعلامية.
وبالنظر إلى خبر وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي إعلامياً، وبعيداً عن الآراء السياسية نجد انه شخصية عامة وهامة، فنحن نتكلم عن رئيس جمهورية يحاكم بتهمة التخابر مع دولة اجنبية، وهو عضو في تنظيم دولي، والدليل على أهميته صدور بيان من النائب العام عن وفاته، كما يحظى خبر وفاته باهتمام المصريين سواء اتفقوا أو اختلفوا معه وذلك لما للخبر من أثر على حياتهم، وينطوي خبر وفاته أيضا على عنصر الاثارة لأنه مات فجأة أثناء محاكمته، ويحتوي الخبر على صراع مع السلطات الحالية، كما يثير الخبر العواطف الانسانية. وبذلك يتحقق في الخبر كافة العناصر الكفيلة لكي يكون في صدارة وسائل الإعلام الحرة وذلك باستثناء شرط السياسة التحريرية.
ونود أن نضع وكالة رويترز كنموذج المهنية ” لكنه غير مصري” في تغطية حدث وفاة الرئيس الأسبق، نقيس به مدى التزام وسائل الإعلام المحلية بتلك المهنية، حيث تناولت الوكالة الحدث في “أهم الأخبار” في السادسة من مساء 17 يونيو، وهو ما يمثل سرعة نشر الخبر، وخصصت الوكالة الدولية للتقرير حوالي 900 كلمة، وهو عدد كلمات كبير، وسبقت اسم مرسي بلقب الرئيس المصري المعزول، وأدرجت صورة كبيرة مع التقرير، كما تناول التقرير عرض موقف كافة الفاعلين في الحدث (بيان النائب العام، منظمات حقوق اﻻنسان، جماعة اﻻخوان المسلمين، ورؤساء الدول والحكومات التي نعت مرسي)، وقدم التقرير نبذة عن مرسي وأهم المحطات في حياته.
ثم تولت رويترز أيضا في الساعة الحادية عشر تقريبا رسم صورة لمحمد مرسي من خلال بروفايل عرضت فيه بشكل مفصل حياة مرسي واﻻحداث المؤثرة في حياته.
ثالثا: مدى التزام وسائل الإعلام المصرية بالمعايير المهنية المتفق عليها
في البداية يجب أن نؤكد أننا لسنا بصدد محاضرة عن الصحافة وفنون التحرير الصحفي أو تقييم وسائل الإعلام المصرية ولكننا نبحث عن حقوق القراء في الوصول للمعلومة الصحيحة دون تلوين سياسي.
ومما سبق يمكننا القول ان الوسائل الاعلامية التي اختارتها الشبكة العربية في مصر ” باستثناء صحيفة المصري اليوم” قد قابلت خبر وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي في البداية بالتقليل من شأن الخبر أو شأن الرجل، وذلك من خلال تقزيم خبر وفاته ولكن بعد غزو الخبر لوسائل الإعلام الدولية، والسوشيال ميديا، وبعد تعليق منظمات حقوق الإنسان الدولية والمتحدث باسم المفوضية حقوق الإنسان على الخبر، تحول التجاهل إلى هجوم ضاري ضد الإخوان وضد اللاعب ابوتريكة وضد المفوضية السامية لحقوق الإنسان وضد تركيا وأردوغان وضد منظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية، وضد كل من ذكر اسم الرجل أو ترحم عليه.
وحاولت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية تشتيت وتضليل الرأي العام سواء من خلال تقزيم الخبر أو بالحروب المفتعلة مع أعداء وهميين، أو بالمبالغة في تغطية أخبار البطولة الافريقية.
أما صحيفة المصري اليوم فقد التزمت بالمهنية في إدراج الخبر في صدر صفحتها الأولي مع اضافة عناصر الجذب الصحفي من نشر العنوان باللون اﻻحمر، ووضع الصورة مع الخبر، والالتزام الأدبي بوضع لقب “الرئيس الأسبق”، قبل الاسم، وحاولت عرض الخبر من أكثر من مصدر، كما عملت الصحيفة على متابعة الخبر، والاستعانة بالفنون الصحفية مثل مقال الرأي في تناول الخبر.
وفي هذا المجال يمكننا بحق أن نطلق على المصري اليوم “مهنية رغم القيود”.
الخلاصة
وفي النهاية ما نريد أن نقوله أن عناصر الخبر الصحفي والقصة الخبرية قد توافرت في حادث وفاة الرئيس السابق محمد مرسي من حيث (حداثة الخبر – الصراع – الاهمية – الشهرة – الاثارة – الانسانية – الغرابة – قرب مكان الحدث) – ولكن جاء تأخر النشر أو خرج الخبر في شكل بيان صحفي عن النائب العام في أغلب وسائل الإعلام المصرية جاء بسبب “السياسة التحريرية”، تلك السياسة لم يحددها القائمين على أمر المؤسسة الإعلامية، ولكن فرضتها “غالبا” إملاءات رقيب الأجهزة السيادية التي لم تقف عند حذف موضوعات، ولكنها امتدت ليتدخل ذلك الرقيب في كتابة وإخراج المواد الإعلامية في أغلب المؤسسات الإعلامية، وهذه ليست استنتاجات خرجت بها هذه الورقة ولكنها حقائق اعترف بها القائمين على وسائل الإعلامية، مثل عبدالرحيم علي، الذي اعترف بمصادرة البوابة نيوز بسبب خبر صحفي، كما اعترفت صحيفة الاهالي بدور الرقيب في مصادر 3 أعداد متتالية من الصحيفة.
ويجب الاعتراف بأن أغلب وسائل الإعلام في مصر أمست وسائل دعاية رديئة ، بعدما صارت رهينة في يد الأجهزة السيادية تملي عليها ما تكتبه وتفرض عليها شكل الإخراج ، وبات الاعلامي في تلك الوسائل مجرد قارئ للـ “الأوتوكيو” المعد سلفا في الأجهزة السيادية، فيما لا تزال وسائل الإعلام الحرة تواجه المصادرة، والتخوين، وحبس الصحفيين.