“يحمل نفس عداء قانون الجمعيات الحالي للمجتمع المدني”
تعرب المنظمات الموقعة أدناه عن رفضها الكامل لمشروع قانون العمل الأهلي المعروض حاليًا على البرلمان تمهيدًا لإصداره كبديل عن القانون الحالي رقم 70 لسنة 2017، والذي لاقى اعتراضات داخلية ودولية واسعة؛ ما دفع بالرئيس عبد الفتاح السيسي لتعديله.
وتوضح المنظمات أن المشروع الجديد ما هو إلا إعادة تسويق القانون القمعي الذي يحمل الفلسفة العدائية لمنظمات المجتمع المدني بهدف إخضاعها للأجهزة الأمنية.
وتحث المنظمات كافة الأطراف –بما في ذلك المجتمع الدولي– بعدم الترحيب بمشروع القانون الجديد، والضغط من أجل مزيد من الإصلاحات، كما تطالب المنظمات بالعودة لمشروع قانون د. أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي السابق، والذي شهد مشاورات ومشاركة واسعة ضمت أطياف مختلفة من منظمات المجتمع المدني، وبمشاركة عدة وزارات.
ألغى مشروع القانون الجديد حصول صندوق دعم الجمعيات الأهلية على نسبة ال1% من كل تمويل لأي جمعية أهلية والتي كانت مثار اعتراض عددًا من الجهات المانحة. كما استبدل مشروع القانون العقوبات السالبة للحرية، بغرامات مالية باهظة تصل إلى مليون جنيه. توضح تلك التعديلات أن المشرع قد تحايل على أغلبها، فاستبدل إشراف المجلس “الأمني” بوحدة جديدة تدعى “الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي”، تتبع الوزير المختص، والتي ستحدد اللائحة التنفيذية علاقتها بأجهزة الدولة الأخرى (مادة 77)، علاوةً على التزام الجهة الإدارية بوضع آلية للتبادل الفوري للمعلومات مع السلطات المختصة لإعمال شئونها في حالة توافر اشتباه بتورط أي من المنظمات في تمويل الإرهاب أو يجرى استغلالها لذلك الغرض(مادة 81)، ما يعني بدوره التحكم الكامل للسلطات الأمنية ولكن من وراء ستار.
الجدير بالذكر أن إلغاء العقوبات في قانون الجمعيات يستتبع بالضرورة تنقيح العديد من القوانين الأخرى، وعلى رأسها قانون العقوبات وقوانين الإرهاب والكيانات الإرهابية، والتي تجرم عمل المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال يواجه المتهمون في القضية رقم 173 لسنة 2011 المعروفة بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني اتهامات قد تؤدي إلى سجنهم مدى الحياة، وفقًا لمواد بقانون العقوبات.
على خطى القانون الحالي، تحايل مشروع القانون على المادة 75 من الدستور التي تشترط تأسيس الجمعية بمجرد الإخطار، وحول عملية الإخطار إلى ترخيص من الناحية العملية. بأن علق شرط اكتساب الشخصية القانونية للجمعية على عدم اعتراض الجهة الإدارية، واشترط إصدار تلك الجهة خطابًا للبنوك يتيح للجمعية فتح حساب (مادة 11). كذا توافق القانون الحالي ومشروع القانون على استثناء الجمعيات بالمناطق الحدودية من شرط الإخطار لتأسيس الجمعية، وجعلها بالترخيص المسبق بعد استطلاع رأي المحافظ (مادة 15). الجدير بالذكر أن تحديد نطاق المناطق الحدودية ليس أمرًا ثابتًا أو معروفًا، وإنما هو أمر متغير يخضع لقرار من الدولة، قد تتوسع فيه إن رغبت.
في السياق نفسه احتفظ المشروع بباب خلفي لتقييد نشاط الجمعية عن طريق الموافقة المسبقة على التمويل والمنح الدولية للجمعيات، فمن الممكن للدولة منع نشاط معين للجمعية عن طريق رفض المنحة المقدمة له، كما أن القانون لم يشترط على الدولة إبداء أسباب لهذا الرفض. (مادة 28).
اعتبر مشروع القانون أن أموال الجمعيات في حكم الأموال العامة (مادة 24/ الفقرة الأخيرة)، وأخضعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات. فرغم أن الجمعيات ليست من مؤسسات الدولة، وأموالها ليست أموال عامة –كما أقرت المحكمة الدستورية العليا في أحكام سابقة– فإن اعتبار أموالها أموال عامة والقائمين على تلك الأموال في حكم الموظفين العموميين قد يؤدي إلى توقيع عقوبات قاسية على جرائم من قبيل إهدار المال العام وغيرها. ومن الممكن أن يعد فقد مبلغ 100 جنيه من حساب الجمعية جناية تصل عقوبتها إلى السجن خمسة عشر عامًا.
ختامًا تنبه المنظمات أنه عند النظر إلى مشروع القانون المعروض على البرلمان، لا يتعين مقارنته بالقانون الحالي 70 لسنة 2017، حيث أنه هو الأسوأ على الإطلاق، ولا يصلح للمقارنة. ويمكننا القول أن مشروع القانون الحالي هو أسوأ من قانون الجمعيات السابق رقم 84 لسنة 2002، ويتعارض مع مواد الدستور والتزامات مصر الدولية بما في ذلك التوصيات التي استقبلتها مصر خلال الدورة الثانية للاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر 2014.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- كوميتي فور چستس
- مبادرة الحرية
- مركز النديم
- مركز عدالة للحقوق والحريات
- مؤسسة بلادي للحقوق والحريات
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
ملحق بأهم الاعتراضات على مشروع قانون الجمعيات الجديد
خلافًا لما هو مذكور في البيان، فإن المنظمات الموقعة أعلاه تلخص أهم اعتراضاتها على مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد في النقاط التالية:
- حظر مشروع القانون القيام بأي نشاط يدخل في عمل الجمعيات دون التسجيل كجمعية أهلية، وفي الوقت نفسه منح للجهة الإدارية صلاحيات بحل وغلق مقار أي “كيان” يمارس عمل الجمعيات الأهلية دون أن يكون مسجلًا كجمعية. كما أباح مصادرة أموالها لصندوق دعم مشروعات الجمعيات الأهلية بحكم محكمة القضاء الإداري (المادة الرابعة من مواد الإصدار)
- حظر مشروع القانون على الجمعيات الأهلية إجراء استطلاعات للرأي والبحوث الميدانية، ونشر نتائجها إلا بعد موافقة جهاز التعبئة والإحصاء (مادة 16)، ومخالفة ذلك قد تؤدي إلى دفع غرامة قد تصل إلى خمسمائة ألف جنيه مادة (96).
- استخدام مصطلحات فضفاضة كمحظورات على عمل الجمعيات يتيح للحكومة التدخل ووقف أنشطة الجمعية وتسهيل عملية حلها أو رفض تسجيلها من البداية، مثل حظر ممارسة أنشطة تخل بالنظام العام أو الآداب العامة والوحدة الوطنية والأمن القومي (مادة 16).
- منح الجهة الإدارية حق الاعتراض على قرارات الجمعية واستبعاد المرشحين لمجالس إدارتها دون تحديد مسببات ذلك، ودون إتاحة حق الاعتراض أمام الجهات القضائية (مادة 35، 39).
- قصر أنشطة وأغراض الجمعيات على مجالات تنمية المجتمع فقط، ومراعاة خطة الدولة التنموية واحتياجات المجتمع (مادة 15).
- أبقى على الحظر الوارد بالقانون بشأن التعاون مع منظمات أجنبية مشترطًا الحصول على ترخيص من الوزير المختص قبل الشروع في تنفيذه (مادة 20/فقرة 2)، بالإضافة إلى الإبقاء على شرط الحصول على ترخيص مسبق لفتح مقار خارج الجمهورية (مادة 21).
- يعطي مشروع القانون للجهة الإدارية –بعد موافقة النائب العام– حق الاطلاع على الحسابات البنكية للجمعيات المسجلة، فضلًا عن “الكيانات” التي تقوم بعمل أهلي، وذلك دون توافر مقتضيات الكشف عن جريمة قامت دلائل جدية على وقوعها، مغتصبًا في ذلك اختصاصات محكمة استئناف القاهرة كضمانة قضائية لسرية الحسابات (مادة 11/ فقرة أخيرة).
- يتيح المشروع، للوزير المختص، توقيع عقوبة وقف الجمعية لمدة سنة وغلق مقارها على أفعال لا تتناسب مطلقًا مع المخالفة المرتكبة، منها على سبيل المثال ممارسة أنشطة لم ترد في النظام الأساسي أو لم يتم التصريح بها، تصرف مجلس الإدارة في أموالها أو تخصيصها لغير الأغراض التي أُنشئت من أجلها، الانتقال إلى مقر جديد بالداخل دون إخطار الجهة الإدارية ويعرض الأمر على القضاء مع سريان قرار الغلق (مادة 46).
- أخضع المشروع عمل المنظمات الأجنبية لقيود كثيرة، فجعل عملية تسجيلها بموافقة مسبقة، إلا أن تلك الإجراءات غير واضحة، ومتروك أمر تنظيمها للائحة التنفيذية (مادة 66، 67)، بالإضافة إلى جواز سحب الترخيص لأسباب فضفاضة كالإخلال بالأمن القومي أو السلامة العامة أو الإخلال بالنظام العام.
- اشترط مشروع القانون أن يكون نشاط المنظمة الأجنبية متفقًا مع أولويات المجتمع المصري وفقًا لخطط التنمية (مادة 69).
- تحرير المنظمات الأجنبية إقرارًا يمنح الجهة الإدارية حق الاطلاع على حساباتها البنكية كلما دعت الحاجة لذلك (مادة 72).
- الإحالات المتكررة للائحة التنفيذية في تنظيم العديد من الأمور الهامة، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام السلطة التنفيذية، ممثلة في رئيس الوزراء، للتغول على الحق في حرية تكوين الجمعيات وإضافة عراقيل أخرى بخلاف التي آتى بها المشروع.